حداسة. ህዳሴ ግድብ, Hidāse، لسمير رضوان

(الدناكل .. جوندت… جورا … مصاصي دماء.. آكلي لحوم البشر… شنقول… حداسه.. حداسه … حداسه…)

كانت مجموعة من الفلاحين محيطين بنار مشتعلة عليها أكواز الذرة الخضراء ومدفون بها إبريق عتيق يفور منه شاي.
– يصيح حامد : تعال يا شعبان .. ريَّح بالك وفكَّك من هذا الكلام.
– يصرخ شعبان : الماء .. الموت.. جوندت .. شنقول …..
يقوم فتحي ويربت على كتف شعبان : تعال يا بشمهندس ، اجلس معنا ، فقد اشتقنا لحديثك.
يجلس شعبان مستندًا على جذع شجرة التوت، بشعره المنكوش ، وبذلته البالية بجيوبها الحبلى بأوراق وأقلام كادت ترم من طول عهدها في الجاكيت، يضع إلى جواره مسطرة خشبية طويلة وبوصله ومنظار، يدقق في وجوه الفلاحين، يتلفَّت حوله .. فجأة ينتفض من مكانه حاملاً المسطرة، يهرع نحو الترعة ، يجثو بركبتيه ، ثم يبدأ بقياس منسوب الترعة ، يخرج ورقة ويدون ملاحظاته.
– يصرخ : الجفاف .. حداسه قادم …
ينفجر الجميع بالضحك مازحين: يا شعبان ، الترع تفيض بالماء ، وما يزال النيل يمشي في رحلة الحياة منذ أن خلقه الله.
– “بل بدأت رحلة الموت” يصرخ شعبان بحنق !!! أنتم مغيبون … الغول حداسة قادم ØŒ يلتهم الحياة ويشرب ماء النيل في رحلة موت مشؤومة.
– إسماعيل: يا شعبان لقد حفظنا تلك الكلمات التي لا تفتأ ترددها منذ عشرين عامًا، بعد عودتك من بعثتك في منابع النيل، وما تزال تنذرنا بالجفاف والشدة المستنصرية… وما يزال النيل يجري ويفيض علينا من خيراته!!!!
– يسخر مبروك: لقد لبسته جنية أثيوبية سمراء وعشقته.. وصار مجذوبًا يهزي ويردد كلامًا غير مفهوم، بعد أن كان من أمهر مهندسي الري.
يقوم فتحي وينزع كوزًا من النار ويعطيه لشعبان قائلاً: يا بشمهندس الكلمات التي ترددها فرعونية؟؟!!!
– شعبان: لا… إنها نذير شؤم عندما كنت في بعثتي الأخيرة إلى هضبة أثيوبيا على النيل الأزرق، في منطقة شنقول ØŒ كنت نائمًا في الاستراحة المجهزة للبعثة، رأيت كابوسًا .. قرابة الألفي مصري تلتهمهم وحوش بشرية خارجة من الأدغال، قطعت رقابهم وانتزعت اللحم وكانوا يصيحون (جوندت.. جوندت.. جوندت..) وقد انتفضت من سريري فزعًا على هول منظر ذلك الوحش الدنكالي الذي كان يأكل أحد المصريين وهو حي!!!!!
تكرر الكابوس نفسه بعد عدة أيام؛ لكن كان عدد المصريين في هذه المرة قرابة العشرين ألفًا ØŒ وتكرر نفس الشيء : وحوش الدنكالي … دماء.. قطع اللحم المتناثرة.. عظام تقطر منها الدماء ØŒ وهم يصيحون (جوا … جورا… جورا..) .
وبينما يستمع الفلاحون لهذه الحكايات كانت فرائسهم ترتعد، وقد حَبَسوا أنفاسَهم ، ولا يكاد أحدهم يحرك ساكنَا ، ولا تسمع إلا أصوات دقات قلوبهم يتردد صداها في المكان!!!!
صرخ شعبان بأعلى صوته: الغول سدَّ النهر، النهر يحتضر في رحلة الموت!!!!
قاطعه الحاج صابر: وما حكاية هذا الغول يا بشمهندس؟؟!!
– هذا أسوأ كابوس.. في شنقول… الغول… رأيت غولا اسمه حداسه جلس وسط النهر ووضع ذراعه الأيمن على ضفته، ووضع الأيسر على الضفة الأخرى، وظل يشرب ماء النهر حتى جفَّ النهر وراءه، وتحول الوادي إلى شقوق تبتلع أقدام الجِمَال.
ثم صاح شعبان : أخرجوا الغول حداسة من النهر حتى يجري من جديد ØŒ ثم انتفض من مكانه حاملاً مسطرته، وهو يصيح (الدناكل .. جوندت… جورا … مصاصي دماء.. آكلي لحوم البشر… شنقول… حداسة.. حداسة … حداسة…)
سمير حسن رضوان زغول
مجموعة قصصية بعنوان (النهر الجاف)
دبي – الجمعة 6/12/2019م
***************************************
– حداسة: الاسم القديم لسد النهضة في أثيوبيا
– جورا 1876Ù…: معركة بين الجيش المصري والجيش الأثيوبي هزم فيها الجيش المصري
– جوندت 1887Ù…: معركة بين الجيش المصري والجيش الأثيوبي هزم فيها الجيش المصري .
– الدناكل : القبائل الأثيوبية التي هزمت المصريين.
– بنو شنقول: الولاية التي بها منطقة السد.

Related posts

Leave a Comment